الرئيسية > البطالة: ظاهرة مزمنة بانتظار المواجهة / د.يوسف منصور- الغد

البطالة: ظاهرة مزمنة بانتظار المواجهة / د.يوسف منصور- الغد

الاحد, 12 تشرين الأول 2014
النشرة الالكترونية
Phenix Center


ما هي أسباب ظاهرة البطالة تاريخيا؛ لماذا صار عدد العمالة الوافدة أكثر من عدد الأردنيين المتعطلين عن العمل؟ هل السبب الرئيسي هو تجاهل الجامعات لحاجات سوق العمل أم صغر حجم القطاع الخاص في الأردن أم غياب التخطيط الحكومي أم سوء قطاع النقل أم جميعها وأسباب أخرى؟
تتسم البطالة في الأردن؛ بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مسوحات دائرة الإحصاءات العامة بأنها مرتفعة؛ أعلى من 10 %، وهي تتسم أيضا بأنها مزمنة (استمرت بمعدلاتها المرتفعة بين 12 و15.3 % منذ 1999)، كما أنها تضر بالشباب أكثر من الفئات العمرية الأخرى (يبلغ معدل البطالة بين الشباب 38 % أو اكثر من ثلاثة أضعاف معدل البطالة)، ويعاني منها الإناث أكثر من الذكور (معدل بطالة لدى الإناث 20.8 % ضعف معدل بطالة الشباب 10.4 %).
وتشير التقارير الرسمية أيضا إلى أن البطالة ترتفع بين الخريجين من حملة البكالوريوس فأعلى (81.8 % للنساء و20.3 % للرجال) كما أن معدلاتها ترتفع بشكل عام في الفترات التي تحصل فيها طفرات اقتصادية وارتفاع في معدلات النمو، بينما تنخفض في فترات الركود والتراجع الاقتصادي.
المتعطلون عن العمل: تُعرّف دائرة الإحصاءات العامة المتعطل عن العمل أنه شخص أردني لم يعمل ولم يكن مرتبطاً بوظيفة لكنه يريد العمل ومستعد له مع أنه بحث عن عمل خلال الأشهر الثلاثة السابقة لمسح البطالة، أما الذين يتوقفون عن البحث عن عمل فيسمون "المحبطين" ويسقطون من قوة العمل أي أنهم لا يحتسبون في معدلات البطالة.
البطالة: أما البطالة فهي نسبة مجموع هؤلاء المتعطلين الى القوة العاملة وليس الى نسبة السكان كما يعتقد البعض، وتتكون البطالة من أنواع عدة كالبطالة الموسمية وهي بطالة تنشأ في الصناعات والخدمات ذات الطبيعة الموسمية للنشاط الاقتصادي، سواء بسبب الظروف المناخية أو الموسمية، كخدمات السياحة الصيفية، وقطاع الإنشاءات وما إلى ذلك؛ والبطالة الهيكلية التي تنشأ نتيجة للتحولات الاقتصادية التي تحدث من حين لآخر في هيكل الاقتصاد مثل التحول من القطاع الزراعي إلى القطاع الصناعي وإحلال الآلة محل العنصر البشري، ما يؤدي إلى الاستغناء عن عدد كبير من العمال أو أن القطاع الإنتاجي يصبح غير قادر على توفير فرص العمل، والبطالة الدورية التي تنشأ نتيجة ركود الاقتصاد خلال فترات الركود والكساد في الدورة الاقتصادية.
وتتجلى تحديات البطالة في النقاط الآتية: ضعف العلاقة بين النمو الاقتصادي والتشغيل، العوامل الديموغرافية، اتجاهات الطلب على الأيدي العاملة، وسياسات التشغيل في القطاع العام، وعدم كفاءة برامج دعم التشغيل، وتدني مستويات التدريب، وسوء وضع قطاع النقل العام مما لا يمكن الشخص من البقاء في مكان سكنه والعمل في محافظة أخرى، الأمر الذي يزيد من البطالة في المحافظات، خاصة وأن محافظة العاصمة تحظى بالقدر الأكبر من فرص العمل على مستوى المحافظات؛ فقد سجُل مؤخرا أعلى معدل للبطالة في محافظة البلقاء وبلغ 18.8 %، وأدنى معدل للبطالة في محافظة الزرقاء وبلغ 9.4 %.
تعودنا منذ بداية القرن الجديد على معدلات بطالة في الأردن تفوق 10 %، وهي معدلات بطالة مرتفعة وخطرة خاصة وأنها هيكلية متجذرة في النظام وممارسات مؤسساته الرسمية وغير الرسمية؛ إذ أصبحت وكأنها شيء اعتيادي رغم أنها لم تكن كذلك في السابق، فقد كان معدل البطالة في الأردن لا يتجاوز 2 % في السبعينيات.
بلغ معدل البطالة 1.6 % حسب الأرقام الرسمية في 1976؛ أي أنه كان أقل من معدل نمو السكان الذي كان أكثر من ضعف معدل البطالة أي أن المشغل كان غير قادر على أن يجد كفايته من العمال، فيبحث عن العمالة الأردنية ولا يجدها من شدة التنافس عليها.
أيضا كان معدل النمو الاقتصادي الحقيقي يفوق 8.5 %، والغلاء يقارب 12 % ما يعني أن الاقتصاد كان يغلي بما فيه من نشاط وحيوية، وكان خريجو الجامعات يجدون الوظائف مباشرة (أحد الأسباب في ذلك أن نوعية التعلم والتدريب كانت أفضل مما هي عليه الآن).
وكنا قد بدأنا بتصدير عمالتنا بقوة إلى الخليج الذي ابتدأ آنذاك طفرة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه وربما منذ اكتشاف النفط لديه؛ حيث بدأت أموال النفط تتزايد نتيجة حرب أكتوبر في العام 1973، وكانت المساعدات العربية للحكومة في الأردن تقارب نصف دخل الحكومة تقريبا، وكانت الضرائب قليلة وبعضها كضريبة المبيعات لم يكن موجودا، ولأننا لم نكن نصدر العمالة لم تكن العمالة الأجنبية قد اكتشفت السوق الأردني حتى ذلك الوقت، وكان الأردنيون يعملون في جميع الوظائف لكن سرعان ما أخذ الوضع بالتغير؛ إذ بدأت معدلات البطالة بالارتفاع بعد منتصف السبعينيات وبدأ معها استبدال العمالة المحلية بالأجنبية وارتفاع دخل الأردني من الخليج وتوجهه للوظائف الحكومية المريحة نسبيا، لتصل البطالة في العام 1981 إلى 3.9 %.
واستمرت البطالة في الصعود بعد ذلك بتسارع كبير لتصل إلى 8 % في العام 1987 وقفزت إلى 10.3 % في العام 1989 حين سقط أيضا معدل النمو الحقيقي ليصبح 10.7 % سالبا  وسقط الدينار مع الإنفاق الحكومي غير المدروس وانتشار العمالة البديلة، وسياسات الحكومة التوسعية في التوظيف من غير حساب، وللأسف استمر الأثر على العمالة في 1990 ليقفز معدل البطالة إلى 16.8 %، والغلاء إلى 16.2 % وكان النمو الحقيقي 0.3 % سالبا؛ ما أقساها من أيام في تاريخ الأردن الاقتصادي؛ يجب أن لا تنسى.
ثم ارتفعت البطالة إلى 17.4 % في 1991، وهبطت إلى 15 % في 1992 مع بدء إنفاق مدخرات وتعويضات  العائدين من الخليج وتحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي بلغ 14.2 % وكان من أعلى معدلات النمو التي حققها الاقتصاد الأردني على مدى خمسين عاما، لكن سرعان ما ارتفعت البطالة لتصبح 19.2 % في العام 1993 بعد إنفاق مدخرات العائدين وفشل البنية الاقتصادية في التحرك وتوفير الوظائف والاستفادة من هذه الأموال والاستثمارات التي ذهب معظمها إلى البناء وأدى إلى توظيف غير الأردنيين في مهنة البناء بينما استمرت الحكومة في سياسات التوظيف غير الكفؤة.
بعد كل ذلك؛ بدأ القرن الجديد بمعدلات بطالة تراوحت بين 12 % في أحسن الأحوال و15.3 % في أسوئها، وها نحن نرى البطالة ترتفع والحكومة في نمو مستمر؛ إذ يصل معدل التوظيف السنوي فيها
 6.3 % في الفترة 2003-2013 بينما لا يزيد متوسط النمو السكاني على 2.2 %، أي أن معدلات توظيف الحكومة تقارب ثلاثة أضعاف نسبة النمو السكاني، مما شجع على توجه الشباب نحو العمل الحكومي؛ حيث توفر ظروف العمل التأمين الصحي والاجتماعي وتتميز بالاستقرار وتدني ساعات العمل بالنسبة للقطاع الخاص.
وربما ساعد ارتفاع الأجور في القطاع العام للفئات الأقل تعليما إلى تشبثها بالعمل الحكومي، بالاضافة الى وجود فارق في الأجور بين القطاعين بالنسبة للإناث، وفارق ترتيبات العمل والامتيازات الاضافية، مضافا اليها النظرة الاجتماعية، الأمر الذي شجع المرأة على الإقبال على العمل في القطاع العام.
بطالة النساء: بالنسبة لبطالة النساء في الأردن؛ من المؤسف أن الأردن ثالث دولة في العالم من ناحية ضحالة انخراط المرأة في سوق العمل؛ إذ تشارك امرأة واحدة فقط من بين ثماني نساء (12.7 % في الجولة الثانية من مسح العمالة) في سوق العمل حسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، وتعاني المرأة من التمييز في الأجور في القطاعين العام والخاص؛ إذ يقل أجرها عن أجر الرجل بالثلث تقريبا في القطاع العام بينما يقارب نصف دخل الرجل في القطاع العام رغم إنجازات المرأة الأكاديمية وتفوقها على الرجل في معدلات التوجيهي والقبول والدراسة في الجامعات؛ إذ أشارت نتائج الجولة الثانية لمسح العمالة والبطالة إلى أن 63.5 % من مجموع قوة العمل من الاناث كان مستواهن التعليمي بكالوريوس فأعلى بالمقارنة مع 20.3 % بين الذكور.
ومن الواضح أن التمييز يبدأ في الأسرة ويستمر في جميع مراحل نمو الفتاة؛ إذ تبين دراسة صادرة عن الجامعة الهاشمية حول الأدوار الجندرية في الأسرة الأردنية أن 52 % من الأسر الأردنية تعارض لعب الفتاة بالدراجة أو السلاح وترى 72 % بوجوب مساعدة الفتاة في العمل المنزلي، وتفضل 70 % عمل الفتاة في القطاع العام، بينما تصر الغالبية العظمى (93 %) أن العمل الملائم للفتيات هو التعليم.
بطالة الشباب: تشير معدلات البطالة بين الشباب إلى وجود مشكلة حقيقية في الانتقال من المؤسسات التعليمية الى مواقع العمل، وهي فترة تستغرق معدل عامين لغالبية الخريجين، والسبب في ذلك يعود لعدم مواءمة مخرجات النظام التعليمي لحاجات سوق العمل وعدم ربط السياسات الاقتصادية بالسياسات التعليمية، الأمر الذي يحتاج الى تخطيط طويل الأمد.
وعلى سبيل المثال؛ يعد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من أكثر القطاعات الواعدة؛ حيث شكل 15 % من الناتج الإجمالي المحلي في 2013 ويوفر ما يقارب 16.000 فرصة عمل، وبينما يتخرج سنويا 5700 طالب في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن أقل من ثلثهم فقط يحملون اختصاصات مطلوبة في القطاع، كما تشتكي غالبية الشركات أن الخريجين الجدد يفتقرون للعديد من المهارات الأساسية اللازمة للعمل في هذه الشركات كمهارات التفكير التحليلي والعمل الجماعي والقدرة على التواصل.
نمو اقتصادي بدون تشغيل: إذا نظرنا لمعدلات البطالة في فترات النمو الاقتصادي المرتفعة في القرن الحادي والعشرين، يظهر أن متوسط البطالة في الفترة 2005-2008 كان 13.7 %، بينما انخفض هذا المتوسط لفترة الركود الاقتصادي (2009-2013) إلى 12.6 %، ما يعني أن فترة النمو الاقتصادي أضرت بالعمالة الأردنية؛ وقد بلغ معدل البطالة 12 % خلال الربع الثاني من العام 2014، وبلغ المعدل للذكور 10.4 % مقابل 21.1 % للإناث للفترة نفسها؛ أي أن البطالة انخفضت رغم أن الوضع الاقتصادي العام ما يزال يعاني من ركود وتراجع.
نحن بأمس الحاجة الى معدلات نمو اقتصادي يصاحبها تشغيل للأردنيين وليس للعمالة الوافدة.
حول ثقافة العيب: بلغ عدد العاطلين عن العمل من الأردنيين  200 ألف، في ما بلغ عدد العمال الوافدين في الأردن 500 ألف، خاصة في قطاعات السياحة والإنشاءات. لا تغري هذه المهن الأردنيين للالتحاق بها نظرا لافتقارها لمقومات العمل اللائق كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وتحديد ساعات العمل، لكن ماذا لو تأهل الأردنيون مهنيا لهذه القطاعات وتوفرت فيها شروط العمل اللائق، هل سنشهد إقبالا أكبر منهم عليها؟ الإجابة تأتي في أن أكثر من 8000 أردني تقدموا بطلب للعمل في وظيفة "عامل وطن" حين تحسنت شروط ومكافآت هذه الوظيفة؛ أيضا بينت دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن غالبية الأردنيين لا يتحرجون من أنواع العمل إذا ما تحسنت ظروف العمل، مما يدحض ادعاءات البعض بتفشي ظاهرة ثقافة العيب.
تتوسّط ظاهرة البطالة المشكلات الهيكلية اﻷخرى في اﻷردن، فحلها مرتبط بالعديد من الإجراءات؛ كإنشاء شبكة نقل وطنية فعالة، وتعديل قانون العمل والرقابة على تطبيقه، وتمكين المرأة، وتخفيف الدولة من النظام الريعي، وتعظيم تنافسية القطاع الخاص ليصبح أكثر جاذبية من القطاع العام للعمالة الأردنية، وتحسين مستويات التدريب ونوعياته، وتنمية بيئة الأعمال، ومنح الحوافز لتشغيل الأردنيين وتمويل برامج التشغيل بشكل ملائم وفعال.
معالجة ظاهرة البطالة لا تكون إلا من خلال سياسات اقتصادية، واستراتيجيات وحلول وبرامج فعالة طويلة الأمد تتميز بالتنسيق والديناميكية والتعاون بين جميع ذوي العلاقة.

*عن حلقة البطالة، برنامج "مالنا"...تلفزيون عرمرم.
برنامج "مالنا" على تلفزيون عرمرم